مسائكم محبة وأمل منشود ..قبل ايام قرأت قصة قصيرة للكاتب الفرنسي (( موريس لوبلان)) واعجبني جدااا ان تشاركوني قرائتها وأتمنى ان تعجبكم .....
غلـــــطة جريــــدة
ماكادت الباخرة تدخل الميناء في جبل طارق حتى نزل جــاك دوفريش الى اليابسة , وسار في الشارع المؤدي الى دائرة البريد .
كان جــاك في رحلة برفقة جماعة من العلماء والرحالة المغامرين . وكان يرجو ان يجد في دائرة البريد رسالة من زوجته الحسناء جيلبرت التي لم يسمع عنها شيئاًفي أسبوع , وكم كان سروره عظيماً لما سلمه الموضف الرسالة المنتظرة . ففضها ,فإذا بها رسالة طويلة تقع في عشرين صفحة , مكتوبة بخط زوجته الدقيق الجميل ,وفيها تشرح له وجدها واخلاصها , وتبثه عواطفها .وتسرد علية يوما فيوما تفاصيل حياتها هي وابنتها هنرييت, وتقول له إها في غاية الشوق الى رؤيته عما قريب . وقد ختمتها بقولها: " سأوافيك يا عزيزي جــاك الى مرسيليا , وستجدني كما تركتني صبية ومحبة لا سعادة لي الا في حبك ,ولا هدف أرمي إليه سوى إسعادك ".
أتريد برهاناً على ذلك؟
إليك هذا البرهان الصغير . لم أكد اتسلم رسالتك الأخيرة حتى أوصدت الباب في وجه قريبنا جورج دو بروكور.
وقد كنت على حق يا عزيزي جــاك عندما فتحت عيني على ما تخفيه زياراته المتواصلة لنا .
وقد جاء يدعوني وهنرييت للقيام بنزهة الى القصر دو رامبوييه في سيارته الخاصة فرفضت دعوته متذرعة بشتى الحجج ......
ترقرقت الدموع في عيني الزوج ,فقد أفرحه في جيلبرت هذا الاخلاص والوفاء للامانة الزوجية .وراح يشرد في ذلك الشارع الطويل الممتد أمامه وقلبه يرقص طربا ,وإن هو لفي بعض الطريق وقع نظره على مكتبة فتقدم منها وابتاع جريدة طواها وأمسكها بيده اليسرى ,وتابع سيره بعد أن القى نظرة عابرة على عناوينها الضخمة . ولكنه لم يكد يخطو بضع خطوات حتى شعر برجليه ترتجفان ولا تقويان على حمله .... وارتجفت يده وهو ينشر الجرية ليبحث عن الأسطر القليلة المرعبة التي سببت له هذا الاضطراب .فقرأ فيها ما يلي :
" خبر الساعة الأخيرة_ليلة الأحد تدهورت سيارة الكونت جورج دو بروكو بين رامبوييه وشيفروز .فقتل صاحبها الكونت ورفيقتاه السيدة جـاك دوفريش وابنتها البالغة من العمر عشر سنين "
اسودت الدنيا في عيني جـاك ولم ير نفسة الا أمام حانة فدخلها واحتسى كأسين من الشراب وتحسس جيبه الذي اعتاد أن يضع فيه مسدسه فوجده خاويا , وفطن الى أنه تركه في غرفته على ظهر السفينة . فخرج مسرعا الى الميناء وفي نيته أن يضع حداً لحياته لأنه لم يبق لديه أمل فيها .لقد فقد زوجتة وابنته وبفقدهما فقد علة وجوده.
ووصل الى الباخرة فوجد معظم المسافرين قد صعدوا اليها . فخيل اليه أن الجميع ينظرون اليه .وأن أكثرهم قد قرأ الخبر المشؤوم في الجريدة ,فهرول الى غرفته لا يلوي على أحد وتناول مسدسه وسدد فوهته الى صدغه.
بعد ذلك بساعتين دخل عليه أحد الخدم يدعوه الى تناول العشاء ,فخرج للحال وجلس الى المائدة بعد أن اعتذر لزملائه عن تأخره , وكان هادئاً لا تبدو على ملامحه دلائل الألم والاضطراب .وقد حار الجميع في تعليل أمر صمته وهدوئه , وتساءلوا في أعماقهم عما اذا كان قد وقف على النبأ الفاجع أم لا.
كانت السفينة تقترب شيئا فشيئا من الساحل الفرنسي وكانت مرسيليا تبدو في الأفق صغيره تتضح معالمها كلما تقدمت منها السفينة.
ووصلت الباخرة الى ميناء مرسيليا , وكانت الجماهير محتشدة على الرصيف ,والنساء والأطفال يلوحون بمناديلهم البيضاء دلالة الفرح والاغتباط بعودة ذويهم وأقربائهم. ووقف زملاء جـاك أمام باب غرفته ينتظرون خروجه وهم يخشون أن يكون قد انتحر أو يفكر بالانتحار , وقرع عليه أحدهم الباب ,فألفاه ممددا ًعلى سريره فطلب اليه أن يخرج معه , ففعل واتكأ على ذراعه وسار وإياه مطرقاً برأسه . وما هي ألا بضع لحظات حتى قال جـاك لرفيقه:
_اسندني جيداً لأني أخشى الوقوع .
مشيا هكذا خطوات معدودات .أفلت بعدها جـاك ذراع رفيقه وأخذ يعدو وهو يصيح:
_جيلبرت .....هنرييت !
فإذا بسيدة وفتاة صغيرة تخفان للقياه, وتعانق الثلائة .... وضم جـاك زوجته جيبلبرت الى صدره وتمتم :
_جيلبرت ...أهذه أنتِ يـــاعزيزتي ؟ اّه ..كنت واثقاً تماماً من جيلبرت ....عزيزتي !
كان الجميع برقبون هذا المشهد دون أن يعرفوا من تكون هذه السيدة والفتاة الصغيرة التي معها .
وبكى جـاك ,فعرفت جيلبرت سر بكائه ,فقالت له :
_جـاك....جـاك , أنــا واثقة من أنك قرأت الخبر في الجريدة ... هل ظننت أن الضحيتين هما زوجتك وابنتك؟
_كلا لم أصدق الخبر !
_ماذا تقول؟
_قلت انني لم أصدق الخبر , لأن رسالتك كانت معي وفيها تصريحين بأنك قررت ألا تقابلي جورج البتة , وتقولين أنك رفضت القيام بتلك النزهة معه.
_االى هذا الحد بلغت تقتك بي؟ ألم تقرأ الأسماء ؟ اليك النبأ الصحيح:
اخطأت الجريدة في ذكر الأسماء _ فالمقصود قريبتانا دوفريش اللتان دعاهما جورج دو بروكور في اللحظة الأخيرة بعد أن رفضت أنا الذهاب وإياه مع هنرييت . غير أن محرر الجريدة اعتقد أن السيدتين الذاهبتين معه هما السيدة جـاك دوفريش وابنتها . وقد وقفت على هذا الخطأ , فأبرقت ألى مدير الجريدة المسؤول اطلب إليه تصحيح خطئه, ولكن بعد فوات الاّوان . اّه ,لا أستطيع أن اتصور كم كان وقع النبأ عليك شديداً وكم سبب لك من الألم.....
_لم أتألم يا عزيزتي جيلبرت ! وهل يحق لي أن أتألم وسالتك تحت ناظري , وقد عهدتك صادقة ووفية ؟ كـــلا , يا جيلبرت لم أصدق الخبر المشؤوم !
صمت الاثنان وتشابكت أيديهما ورقص قلبهما طربا , فهما في ضعفهما البشري وبنعمة حبهما أقوى من القدر وأقوى من الموت وأقوى من البؤس والشقاء !!
محبة خالصة